تلعب معالجة العظام المفقودة أو الضعيفة في منطقة الفكين دورًا محوريًا في نجاح العديد من الإجراءات السنية، خاصةً عند الرغبة في تركيب الزرعات أو المحافظة على بنية الفك، وقد أصبحت فكرة زراعة عظم الفكين اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى، ليس فقط لتحسين القدرة على المضغ والنطق ولكن أيضًا للحفاظ على خصائص الوجه والابتسامة، وفي هذه المقالة العلمي سنلقي الضوء على أهم عوامل النجاح لهذه العملية، وكيف تتم، مع عرض شامل لمراحلها وأسباب تآكل عظام الفك، وعلاقتها بالعلاج، ومدة التنفيذ، ونسب النجاح، وتكلفتها في مصر.
ما هي زراعة عظم الفكين؟
زراعة عظم الفكين هي إجراء جراحي يعنى بترميم زيادة حجم أو كثافة العظم في أحد فكِّي المريض أو كليهما، أو في مواقع محددة داخل الفك العلوي أو السفلي، بهدف توفير قاعدة مناسبة لتركيب الأسنان أو الزرعات أو أغراض تجميلية ووظيفية أخرى، وغالبًا ما يُستخدم هذا النوع من العمليات عندما يكون العظم الأصلي للفك غير كافٍ من حيث العرض أو الارتفاع أو الكثافة لدعم الزرعة أو بديل السن بشكل آمن، تقنيًا يتم إدخال مادة ترقيع أو زراعة عظم قد تكون من نفس المريض (autograft) أو من متبرع أو من مادة بديلة صناعية إلى مكان نقص العظم، ثم يترك العظم ليدمج ويكوّن نسيجًا قويًا جديدًا يمكنه حمل الأحمال الميكانيكية، وتمنح هذه العملية الكثير من المرضى فرصة لاستعادة ابتسامتهم ووظيفة فمهم وكرامتهم، خاصةً لمن فقد أسناناً لسنوات أو يعاني من ضمور عظمي إثر أمراض اللثة أو المعالجة الإشعاعية.
أسباب تآكل عظام الفك
هناك عدة عوامل تسهم في تآكل أو تراجع عظام الفك وهي مهمة لفهم لماذا قد يحتاج الشخص لزراعة عظم الفكين ومن أبرزها:
- فقدان الأسنان: عند خلو مكان السن لفترة طويلة، يقل التحفيز الميكانيكي للعظم، مما يؤدي إلى تغيّر في توزيعات القوة وتراجع حجمه.
- أمراض اللثة المزمنة (التهاب الأنسجة الداعمة): تؤدي إلى تدمير الأنسجة المحيطة بالسن بما فيها العظم.
- التهاب العظم أو تنخر العظم: مثل: حالة osteonecrosis of the jaw (تنخر عظم الفك) التي قد تحدث نتيجة لبعض الأدوية المضادة لامتصاص العظم أو المعالجات الإشعاعية.
- انسحاب العظم بعد خلع الأسنان: حيث تبدأ عملية الاستشفاء بتقلص تدريجي للعظم إذا لم يملأ مكانه أو يركب سن بديل أو زرعة بسرعة.
- التعرض للإشعاع أو السرطان: المعالجة الإشعاعية أو الأدوية الخاصة بالأورام قد تؤدي إلى تراجع أو ضعف العظم في الفك.
- أمراض في أجهزة الجسم المختلفة: مثل: نقص فيتامين D، وهشاشة العظام، أو أمراض التمثيل الغذائي قد تقلّل جودة العظم وكثافته.
إن فهم هذه العوامل يساعد الطبيب والمريض على اتخاذ القرار المناسب بمتابعة العلاج أولًا قبل أو أثناء التخطيط لزراعة العظم.
مراحل عملية زراعة عظام الفك
يمكن تقسيم مراحل زراعة عظم الفكين إلى عدة خطوات أساسية وهي كالتالي:
- التقييم والتخطيط التشخيصي: يشمل التصوير الثلاثي الأبعاد (مثل: الأشعة المقطعية أو الشعاع المخروطي) لتحديد حجم العظم المتبقي، وكثافته، وشكل الفك، والمسافة إلى الهياكل التشريحية المجاورة (مثل: الجيوب الأنفية أو الأعصاب).
- اختيار نوع الزراعة العظمية ومكانها: يقرر ما إن كانت الزراعة ستكون “طلبّة” (جسرية) أو “رفع الجيب” أو “ترقيع عرضي” أو “ترقيع كتلي”، ويتم اختيار مصدر الزراعة: ذاتية أو من متبرع أو بديلة صناعية.
- الإجراء الجراحي: يتم تحت تخدير محلي أو تخدير كلي حسب الحالة، يتم فتح اللثَّة، ويجهز السطح العظمي، ثم توضع المادة العظمية أو الكتلة، وتثبّت (إذا لزم الأمر) بغرز أو أوتاد، وتغطّى بالغشاء الحاجز لمنع التهابات أو نمو نسيج ليفي، ثم تغلق اللثّة.
- مرحلة الدمج (التكامل العظمي): بعد الإجراء يمنح العظم وقتًا ليتكامل ويندمج مع العظم المحيط، وعادةً يستغرق عدة أشهر، يجب خلالها التزام تعليمات الراحة والنظام الغذائي.
- المتابعة والتقييم: يتابع الطبيب الحالة بزيارات دورية للتأكد من الالتئام والعظم الجديد ثم يخطط للخطوة التالية، وغالبًا ما تكون تركيب الزرعة أو السن إذا كانت الزراعة جزءًا من سلسلة علاجات.
- تركيب الزرعة أو السن (إن لزم الأمر بعد الزراعة العظمية): بعد انتهاء مرحلة الدمج وتحقيق الاستقرار العظمي، يمكن تركيب الزرعة أو السن أو الجسر بشكل نهائي.
إن كل مرحلة من هذه المراحل تعد عاملًا مهمًا في نجاح الزراعة العظمية، ويجب الالتزام بتوصيات الطبيب بدقة لضمان أفضل النتائج.
علاج تآكل عظام الفك
علاج تآكل العظم يعتمد على التشخيص المبكر ومدى تضرّر العظم، و نتعرف هنا على العلاجات المتبعة :
- التدخل المبكر لزراعة عظم الفكين عند ملاحظة ضمور أو نقص في العظم، خاصةً قبل تركيب زرعة.
- ضبط أمراض اللثة وعلاجها بفعالية: إذ إن السيطرة على الالتهاب يمنع التقدم في تآكل العظم.
- تحسين نمط الحياة: مثل: الإقلاع عن التدخين، وتحسين التغذية (خاصة فيتامين D والكالسيوم)، ومعالجة هشاشة العظام إن وجدت.
- تركيب زرع أو جسر بطريقة مدروسة لتوزيع القوى الميكانيكية بشكل سليم على العظم، مما يقلل من تراجعه.
- استخدام غرسات أو ترقيع مبكر بعد خلع السن لمنع انسحاب العظم.
- المتابعة طويلة الأمد لتقييم حالة العظم والزرعة أو السن بشكل دوري.
باختصارإن الزراعة العظمية ليست فقط إجراءًا وحسب، بل جزء من خطة علاجية شاملة لمساعدة المريض على استعادة الوظيفة والحفاظ على العظام المكتسبة.
كم تستغرق عملية زراعة عظم الفك؟
مدة إجراء زراعة عظم الفكين تختلف حسب نوع الزراعة ومكانها ومدى توسّع النقص العظمي وبشكل عام تكون المدة كالآتي:
- الإجراء الجراحي نفسه يمكن أن يستغرق من ساعة إلى ثلاث ساعات تقريبًا، بحسب الحجم الكلي للزراعة ومكانها.
- بعدها تبدأ فترة الدمج العظمي والتي قد تمتد من 3 إلى 6 أشهر أو أكثر، حسب الحالة الصحية للمريض ونوعية الزراعة العظمية.
- في بعض الحالات عندما تجرى الزراعة العظمية وأيضًا تركيب الزرعة في نفس الجلسة، قد يتطلب الأمر وقتًا أطول للمتابعة والمراجعة.
العوامل التي تؤثر على المدة تشمل: صحة المريض العامة، ووجود أمراض مزمنة، والتدخين، والتغذية غير الكافية، ومكان الزراعة (الفك العلوي أو السفلي، أو إذا كان هناك رفع للجيب).
إنه من المهم للمريض أن يكون على دراية بأن نجاح الزراعة ليس فقط في وقت الإجراء بل في فترة التعافي والدمج، ولهذا يجب الصبر والالتزام.
ما هي نسبة نجاح زراعة عظم الفك؟
نسبة نجاح زراعة عظم الفكين تعد مرتفعة، ولكن نجاحها يتوقف على عوامل متعددة، فبعض المصادر العلمية تشير إلى نسب نجاح بين 85٪ إلى 95٪ تقريباً، مع الاختلاف حسب الحالة والتقنية، فقد أثبتت بعض الدراسات أن استخدام مواد ترقيع مناسبة، وتنفيذ دقيق، ومتابعة جيدة، تؤدي إلى نتائج ممتازة، ومن جهة أخرى فإن وجود عوامل مخاطرة مثل: التدخين، أو ضعف الصحة العامة أو أمراض العظام، قد يضعف النتيجة، فبالتالي يكون العامل البشري (اختيار الطبيب)، والالتزام بتعليمات ما بعد الجراحة، والعناية باللثة والفم له دور مهم في نجاح الزراعة، باختصار: عندما تُجرى الخطوات كلها بالشكل المثالي، فإن فرص النجاح تكون مرتفعة جدًا.
تكلفة زراعة عظم الفك
تتباين التكلفة حسب الحالة، ونوع الزرعة العظمية، وتقنية الطبيب، والعيادة، وغيرها من المتغيرات، فتكون التكلفة كالآتي:
- في بعض العيادات، تتراوح تكلفة زراعة عظم الفك بين حوالي 5,000 إلى 20,000 جنيه مصري للحالات البسيطة.
- وفي بعض الحالات المعقدة، قد تصل تكلفة جراحات الفك العظمية إلى 27,000 إلى 50,000 جنيه مصري أو أكثر.
لذلك عند الاستفسار من المهم أن تعرف أن السعر قد يتأثر بالآتي: خبرة الجراح، وعدد الجلسات المطلوبة، وإذا ما كان رفع الجيب أو ترقيع كتلي مطلُوب، ونوعية المادة العظمية المستخدمة، والخدمات المرافقة (تحليل، أشعة، متابعة).
إن زراعة عظم الفكين عملية جراحية متقدمة ولكنها ضرورية في العديد من الحالات لاستعادة وظيفة الفك، وتركيب الزرعات، وتحسين جودة الحياة، وقد استعرضنا في هذه المقالة: ما هي زراعة عظم الفكين، وأسباب تآكل العظم، ومراحل الإجراء، وعلاجه، والمدة، ونسب النجاح، وتكلفته في مصر، ولكن الأهم من ذلك أن نجاح هذه العملية لا يتوقف فقط على التقنية الجراحية، بل على مدى التزام المريض بخطة العلاج، وصحة جسمه، والعناية بما بعد الجراحة، إذا كنت تفكر في هذه الخطوة، فاحرص على استشارة مختص ذي خبرة، واطلب خطة واضحة، واهتم بالمتابعة المنتظمة، بهذه الطريقة يمكنك أن تمنح نفسك فرصًا جيدة نحو ابتسامة أفضل ووظيفة فموية مستقرة، في النهاية تذّكر أن الهدف ليس فقط تركيب العظم، بل استعادة حياة يومية كريمة ومريحة، ومضغ سليم، وثقة بابتسامتك.
