
كنت في أواخر الثلاثينيات عندما لاحظت شيئًا غريبًا: تضاؤل في حواف لثتي وظهور خط للأسنان فكان يبدو أطول من المعتاد، لم أشعر بألم في البداية، لكن الحساسية تجاه الأشياء الباردة والساخنة بدأت تزعجني، أردت حلاً للأمر، فتوجهت لطبيب الأسنان الذي أخبرني أنني أعاني من انحسار اللثة (Gum recession)، وهو انسحاب نسيج اللثة الذي يكون غشاءً حول الأسنان، مما أدى لانكشاف جذور الأسنان.
أسباب انحسار اللثة
حكيت للطبيب عن عادة فرك الأسنان بعنف بفرشاة قاسية، وكم كنت أعتقد أن ذلك يزيد نظافة أسناني، فأخبرني أن هذه العادة من أبرز الأسباب، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل: التبغ، والتهاب اللثتين، وتراكم الجير، أو حتى وضع الأسنان بطريقة غير معتادة كأن يكون لديها موقع غير طبيعي أو ضغط من تقويم سابق لفترة طويلة، كما بيّن أن أمرًا وراثيًا أو وجود ثقوب في اللثة خفيفة دون أعراض واضحة يمكن أن يجعل بعض الأشخاص أكثر عرضة للانحسار، خاصة إذا ترافق ذلك مع إهمال العناية المنتظمة بالفم واللثة.
أعراض انحسار اللثة
بالنسبة لي فقد بدأ الأمر بأول علامة واضحة: طول الأسنان بشكل ملحوظ مقارنة بالسابق، ثم جاءت الحساسية المزعجة تجاه المشروبات الباردة والساخنة، خاصةً عند تفريش الأسنان أو تناول الأطعمة الحمضية، وبعد فترة لاحظت نزيفًا طفيفًا عند استخدام الخيط وأحيانًا أثناء الأكل، وهو ما دفعني للقلق والبحث عن السبب، وعندما بحثت في الأمر علمت أن هناك المزيد من الأعراض للانحسار في اللثة وتشمل: تراجع اللثة عن السن، وزيادة الحساسية، والنزف المتكرر، ورائحة الفم الكريهة، بالإضافة إلى احتمال الشعور بألم عند المضغ أو ظهور فراغات بين الأسنان واللثة يمكن أن تحبس بقايا الطعام وتؤدي إلى التهابات.
شكل انحسار اللثة
كنت أرى أن منطقة ما بوضوح أصبحت أكثر فقدًا للأنسجة، وكأن اللثة تراجعت إلى الأسفل تاركة جذور الأسنان عارية ومعرضة أكثر للتأثر بالعوامل الخارجية، تحدثت مع طبيب الأسنان عن التصنيف المعروف الذي كنت قد قرأت عنه عندما بحثت في الأمر، الذي يسمى: تصنيف ميلر والذي يستخدم لتحديد درجة الانحسار وشدته ومقدار تعرض الجذور، لكنه أوضح أنني لست بحاجة لمعرفة التصنيف الدقيق من الناحية النظرية، طالما تم تحديد مدى الانحسار بدقة عبر الفحص السريري ووضع خطة علاجية مناسبة تهدف إلى وقف التدهور وحماية الأسنان من المضاعفات المحتملة في المستقبل.
انحسار اللثة قبل وبعد
قبل العلاج كانت لثتي تبدو ضعيفة وهشة، مع انخفاض واضح على أحد الجوانب خاصة في المنطقة التي كنت أفرّش فيها بأسلوب قوي وغير صحيح، مما جعل شكل الأسنان غير متناسق، أما بعد العلاج وتحسين عادتي في التنظيف اليومي واستخدام معجون خاص بالأسنان الحساسة، لاحظت أن اللثة صارت أكثر تماسكًا وثباتًا، والسن يبدو أقصر أو طبيعيًا إلى حد كبير، مما منح ابتسامتي مظهرًا أفضل، وعلى الرغم من أن الانحسار لا يعود تمامًا بشكل طبيعي، فإن الالتزام بتحسين العناية باللثة، والمتابعة الدورية عند الطبيب يساعد كثيرًا في منع التدهور وحماية الأسنان على المدى الطويل.

هل انحسار اللثة خطير؟
بعيدًا عن الشكل الخارجي للأسنان واللثة، أخبرني الطبيب أن الانحسار قد يكون مدخلاً خطيرًا لالتهابات مزمنة مثل: التهاب دواعم السن (Periodontitis)، وهي مرحلة متقدمة من أمراض اللثة يمكن أن تسبب تكوين جيوب عميقة بين اللثة والأسنان، وفقدان تدريجي للعظم الداعم، وفي الحالات الشديدة قد تؤدي إلى سقوط الأسنان وفقدانها نهائيًا، كما أشار الطبيب إلى وجود ارتباط محتمل ومدعوم بأدلة علمية بين أمراض اللثة المزمنة والمشاكل الصحية الأخرى مثل: زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وتفاقم السيطرة على مرض السكري، بل وحتى تأثيرها على صحة الجهاز التنفسي وجودة الحياة بشكل عام.
علاج انحسار اللثة
بدأت أولاً بتعديل طريقة استخدامي لفرشاة الأسنان، فاستبدلت الفرشاة الخشنة بأخرى ناعمة ولطيفة على اللثة، وحرصت على تفريش الأسنان بحركات دائرية خفيفة بدلاً من الضغط العنيف، واستخدمت المعجون المخصص للأسنان الحساسة، إذ يخفف الشعور بالألم عند تناول الأطعمة أو المشروبات، كما أضفت إلى روتين العناية اليومي استخدام غسول مضاد للميكروبات للمساعدة في الحد من نمو البكتيريا الضارة، وخضعت أيضًا لجلسات تنظيف عميق (Scaling & Root Planing) لإزالة تراكمات البلاك والجير من تحت خط اللثة وتحسين التصاقها بالأسنان، وعند الضرورة وصف الطبيب مضادًا حيويًا موضعيًا لتقليل العدوى وتعزيز فرص الشفاء السريع، والحفاظ على استقرار اللثة على المدى الطويل.
هل التقويم يعالج انحسار اللثة؟
سمعت أن التقويم قد يساعد في بعض الحالات، خاصة إذا كان الانحسار ناتجًا عن وضع غير طبيعي أو غير متناسق للأسنان يؤدي إلى ضغط مستمر على أنسجة اللثة، مما يسرع من تراجعها، ولكن أوضح الطبيب لي أن التقويم وحده لا يعتبر علاجًا مباشرًا للانحسار في اللثة، بل هو وسيلة لتصحيح السبب الميكانيكي الذي ساهم في حدوث المشكلة، وبالتالي يُعين على وقف التفاقم ومنع حدوث المزيد من التراجع مستقبلاً، وغالبًا ما يكون التقويم جزءًا من خطة علاجية شاملة تشمل تحسين العناية اليومية، وإجراء تدخلات طبية أو جراحية إذا لزم الأمر، لضمان أفضل النتائج على المدى الطويل.
هل تعود اللثة بعد الانحسار؟
للأسف اللثة لا تنمو من جديد من تلقاء نفسها، ولا يمكن للنسيج المفقود أن يعود طبيعيًا إلا باستخدام إجراءات جراحية متخصصة مثل: زرع اللثة (Gum grafting)، وقد شرح لي الطبيب أن هذا الإجراء يشمل أخذ نسيج من سقف الفم أو من مصدر بديل، ثم زراعته بدقة في مكان الانحسار لتغطية الجذر المكشوف وحماية الأسنان من المزيد من التدهور، ورغم أن العملية قد تبدو معقدة للبعض، فإنها غالبًا تمنح نتائج جيدة على المدى الطويل، وتعيد للابتسامة شكلها الطبيعي، مع تحسين صحة اللثة وتقليل الحساسية التي كنت أعاني منها بشكل ملحوظ قبل العلاج.
هل انحسار اللثة يسبب رائحة فم كريهة؟
نعم تفعل، فقد سألت طبيبي عن ذلك وأخبرني أن الجيوب العميقة التي تتكوّن بين اللثة والأسنان قد تجمع البكتيريا وبقايا الطعام، مما يؤدي مع مرور الوقت إلى تكوّن رائحة كريهة وفم غير منعش، بل وقد يسبب أيضًا طعمًا غير مريح داخل الفم.
نصائح بعد علاج انحسار اللثة
نصحني الطبيب ببعض الأشياء للحفاظ على نتيجة العلاج:
- تفريش لطيف للأسنان مرتين يوميًا باستخدام فرشاة ناعمة ومعجون مخصص للأسنان الحساسة، مع الحرص على تنظيف جميع الأسطح بحركات دائرية خفيفة.
- استخدام الخيط وغسول مضاد للبكتيريا بانتظام للمساعدة في إزالة البلاك من المناطق التي لا تصل إليها الفرشاة.
- المتابعة الدورية مع طبيب الأسنان لإجراء تنظيف احترافي وربما إعادة تقييم الحالة كل 3–4 أشهر لضمان استقرار صحة اللثة.
- تجنّب التدخين ومنتجات التبغ بجميع أشكالها لأنها من عوامل الخطر الرئيسية لتفاقم الانحسار.
- اتباع نظام غذائي غني بالفيتامينات، خاصة فيتامين C وD، ودعم مناعة الجسم لتقوية الأنسجة وتحسين قدرة اللثة على مقاومة الالتهابات والتعافي بشكل أفضل.
الخاتمة
رحلتي مع الانحسار في اللثة كانت تذكيرًا قويًا بأن صحة الفم ليست أمرًا جماليًا فقط، بل هي جزء أساسي من صحة الجسم كله، إذ إن ما بدأ بعرض بسيط كحساسية الأسنان تحوّل إلى إنذار حقيقي بأنني بحاجة لتغيير عاداتي والاهتمام بصحة الأسنان قبل فوات الأوان، واليوم بعد العلاج والالتزام بروتين صحي للعناية باللثة، أدركت أن الوقاية تبدأ من الوعي المبكر بأعراض صغيرة قد تنقذك من مشكلات أكبر بكثير في المستقبل، تذكر دائمًا: لثتك هي الدرع الحامي لأسنانك، فحافظ عليها قبل أن تكتشف قيمتها بعد فوات الأوان.